الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير
.الحديث التَّاسِع: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «جَمعنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن أَرْبَعُونَ رجلا» وَفِي رِوَايَة «نَحْو من أَرْبَعِينَ». وَقَالَ الْمزي- فِيمَا نَقله عَنهُ بعض شُيُوخنَا-: لَا يَصح عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث مَا احْتج بِهِ الشَّافِعِي من «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام حِين قدم الْمَدِينَة جمع أَرْبَعِينَ رجلا» لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قدم الْمَدِينَة وَقد تكاثر الْمُسلمُونَ وتوافروا فَيجوز أَن يكون جمع فِي مَوضِع نُزُوله قبل دُخُوله الْمَدِينَة فاتفق لَهُ أَرْبَعُونَ نفسا. قلت: وَفِي سنَن أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم وصَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك «أَن أَبَاهُ كَانَ إِذا سمع النداء يَوْم الْجُمُعَة ترحم لأسعد بن زُرَارَة قَالَ: فَقلت لَهُ: يَا أبتاه، رَأَيْت استغفارك لأسعد بن زُرَارَة كلما سَمِعت الْأَذَان للْجُمُعَة مَا هُوَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أول من جمع بِنَا فِي نَقِيع يُقَال لَهُ: نَقِيع الْخضمات من حرَّة بني بياضة. قَالَ: كم كُنْتُم يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رجلا» وَهُوَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَهُوَ مُدَلّس، وَقد قَالَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن لَكِن فِي أَكثر رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ قَالَ: حَدثنِي. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِم وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته وسنَنه: وَمُحَمّد بن إِسْحَاق إِذا ذكر سَمَاعه وَكَانَ الرَّاوِي عَنهُ ثِقَة استقام الْإِسْنَاد، وَقَالَ فِي سنَنه: وهَذَا حَدِيث حسن الْإِسْنَاد صَحِيح. وَقَالَ فِي خلافياته: رُوَاته كلهم ثِقَات. وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم- أَي فِي ابْن إِسْحَاق- لَكِن أخرج لَهُ مُتَابعَة لَا اسْتِقْلَالا. قلت: وَوجه الدّلَالَة من الحَدِيث أَن يُقَال: أَجمعت الْأمة عَلَى اشْتِرَاط عدد وَالْأَصْل الظّهْر، فَلَا تصح الْجُمُعَة إِلَّا بِعَدَد ثَبت فِيهِ التَّوْقِيف وَقد ثَبت جَوَازهَا بِأَرْبَعِينَ، فَلَا يجوز أقل مِنْهُ إِلَّا بِدَلِيل صَرِيح، وَثَبت أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي». فَائِدَة: النقيع الْمَذْكُور فِي حَدِيث كَعْب بالنُّون، كَذَا قَيده الْخطابِيّ والحازمي وَغَيرهمَا، وَقد يصحف فَيُقَال بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَعَن أَحْمد بن أبي بكر الْبَنْدَنِيجِيّ أَن الأبقعة ثَلَاثَة: بَقِيع الْغَرْقَد وَهُوَ الْمقْبرَة، وَكَانَ قبل ذَلِك ينْبت بِهِ نبت يُسمى الْغَرْقَد، وبقيع الْمُصَلى وبقيع الْخضمات، وَكلهَا بِالْمَدِينَةِ، والنقيع- بالنُّون- وَاحِد وَهُوَ الَّذِي حماه لخيله وَهُوَ غَرِيب فِي الثَّانِي فَإِن الْمَعْرُوف أَنه بالنُّون. وَرَأَيْت فِي السّنَن الصِّحَاح لأبي عَلّي بن السكن الْحَافِظ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى الضُّحَى بنقيع الزبير ثَمَان رَكْعَات، وَقَالَ: إِنَّهَا صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة» وَهُوَ مضبوط ضبط الْكَاتِب بالنُّون، وأصل النقيع- بالنُّون- بطن من الأَرْض يستنقع فِيهِ المَاء مُدَّة، فَإِذا نضب المَاء نبت الْكلأ. «و الْخضمات» بِفَتْح الْخَاء وَكسر الضَّاد المعجمتين: مَوضِع مَعْرُوف، قَالَ الْبكْرِيّ فِي «أماكنه»: كَأَنَّهُ جمع خضمة. قَالَ الإِمَام أَحْمد: هُوَ قَرْيَة لبني بياضة بِقرب الْمَدِينَة عَلَى ميل من منَازِل بني سَلمَة، وَكَذَا هُوَ فِي المعالم للخطابي أَيْضا أَنه قَرْيَة عَلَى ميل من الْمَدِينَة وحرة بني بياضة قَرْيَة عَلَى ميل من الْمَدِينَة. وبياضة: بطن من الْأَنْصَار. .الحديث العَاشِر: هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب قَائِما يَوْم الْجُمُعَة فَجَاءَت عير من الشَّام، فَانْفَتَلَ النَّاس إِلَيْهَا حَتَّى لم يبْق إِلَّا اثْنَا عشر رجلا، فأنزلت هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْجُمُعَة وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما». وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «إِلَّا اثْنَا عشر رجلا فيهم أَبُو بكر وَعمر» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنا فيهم» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «بَيْنَمَا نَحن نصلي مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أَقبلت عير تحمل طَعَاما...» الحَدِيث وَفِي «الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ» لعبد الْحق: أَن البُخَارِيّ لم يذكر «عير تحمل طَعَاما» كَذَا رَأَيْته فِيهِ وَهُوَ غَرِيب؛ فَهُوَ ثَابت فِيهِ وَمِنْه نقلت. تَنْبِيهَانِ: الأول: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْأَشْبَه أَن يكون الصَّحِيح رِوَايَة من رَوَى أَن ذَلِك كَانَ فِي الْخطْبَة وَيكون قَوْله: «نصلي مَعَه» المُرَاد بِهِ الْخطْبَة وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث كَعْب بن عجْرَة «أَنه دخل الْمَسْجِد وَعبد الرَّحْمَن بن أم الحكم يخْطب قَاعِدا فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبيث يخْطب قَاعِدا، وَقد قَالَ الله- تَعَالَى-: وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما». رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ. الثَّانِي: رَوَى الْعقيلِيّ فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء تَسْمِيَة من لم ينفض مَعَه من حَدِيث جَابر فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا رَأَوْا} الْآيَة قَالَ: «قدمت عير الْمَدِينَة تحمل طَعَاما فِي يَوْم جُمُعَة وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة، فَخَرجُوا إِلَيْهَا وَانْصَرفُوا حَتَّى لم يبْق مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا اثْنَا عشر رجلا فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة فنهوا عَن ذَلِك، وَكَانَ البَاقِينَ: أَبُو بكر، وَعمر، وَعُثْمَان، وَعلي، وَطَلْحَة وَالزبير، وَسعد بن أبي وَقاص، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وبلال، وَابْن مَسْعُود، وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح- أَو عمار بن يَاسر». الشَّك من أَسد بن عَمْرو البَجلِيّ الْكُوفِي أحد رُوَاته؛ فَإِنَّهُ قَالَ الْعقيلِيّ: هَكَذَا حدث أَسد بِهَذَا الحَدِيث، وَلم يبين هَذَا التَّفْسِير مِمَّن هُوَ، وَجعله مدمجًا فِي الحَدِيث. قَالَ: وَقد رَوَاهُ هشيم بن بشير وخَالِد بن عبد الله عَن الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ أَسد وَلم يذكر هَذَا التَّفْسِير كُله. قَالَ: وَهَؤُلَاء قوم يتهاونون بِالْحَدِيثِ وَلَا يقومُونَ بِهِ ويصلونه بِمَا لَيْسَ فِيهِ فتفسد الرِّوَايَة. قَالَ: وَقد جَاءَ فِي بعض رواياته «أَنه لم يبْق فيهم إِلَّا ثَمَانِيَة نفر». وَفِي صَحِيح أبي عوَانَة عَن جَابر أَنه قَالَ عَن نَفسه: «أَنا كنت مِنْهُم- أَي من الاثْنَي عشر» وَفِي رِوَايَة للدارقطني وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَيْضا «أَنهم انْفَضُّوا حَتَّى لم يبْق إِلَّا أَرْبَعُونَ رجلا» وَقَالا: لم يقل «أَرْبَعُونَ» إِلَّا عَلّي بن عَاصِم عَن حُصَيْن، وَخَالفهُ أَصْحَاب حُصَيْن فَقَالُوا «اثْنَا عشر». قلت: وَعلي مَتْرُوك، قَالَه النَّسَائِيّ. وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: مَا زلنا نعرفه بِالْكَذِبِ. وَكَانَ أَحْمد سيئ الرَّأْي فِيهِ. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: الضعْف عَلَى حَدِيثه بَين. .الحديث الحَادِي عشر: هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي آخر بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة، فَرَاجعه مِنْهُ. .الحديث الثَّانِي عشر: هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الْموضع الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ أَيْضا، فَرَاجعه مِنْهُ. .الحديث الثَّالِث عشر: هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور. .الحديث الرَّابِع عشر: هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه أَيْضا فِي أثْنَاء الْبَاب الْمَذْكُور. .الحديث الخَامِس عشر: هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الْبَاب الْمَذْكُور أَيْضا. .الحديث السَّادِس عشر: هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب خطبتين يقْعد بَينهمَا» وَفِي رِوَايَة لَهما: «كَانَ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة قَائِما ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم، قَالَ: كَمَا يَفْعَلُونَ الْيَوْم». وَفِي رِوَايَة للنسائي: «كَانَ يخْطب الْخطْبَتَيْنِ قَائِما، وَكَانَ يفصل بَينهمَا بجلوس». وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَت للنَّبِي خطبتان يجلس بَينهمَا يقْرَأ الْقُرْآن وَيذكر النَّاس». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يخْطب ثمَّ يجلس، ثمَّ يقوم فيخطب قَائِما، فَمن نبأك أَنه كَانَ يخْطب جَالِسا فقد كذب، فقد- وَالله- صليت مَعَه أَكثر من ألفي صَلَاة». وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح «يخْطب قَائِما ثمَّ يقْعد قعدة لَا يتَكَلَّم». قَوْله: «صليت مَعَه أَكثر من ألفي صَلَاة» يَعْنِي: ألفي صَلَاة غير الْجُمُعَة، ولابد من هَذَا التَّأْوِيل؛ لِأَن هَذَا الْعدَد إِنَّمَا يتم فِي نَحْو من أَرْبَعِينَ سنة، وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا صَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ، لاسيما وَجَابِر بن سَمُرَة مدنِي وَمُدَّة مقَامه بِالْمَدِينَةِ عشر سِنِين وَلَا يكون فِيهَا إِلَّا خَمْسمِائَة صَلَاة. .الحديث السَّابِع عشر: هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف مَرَّات مِنْهَا فِي الْبَاب. .الحديث الثَّامِن عشر: هَذَا الحَدِيث صَحِيح من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَت خطْبَة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة يحمد الله ويثني عَلَيْهِ، ثمَّ يَقُول عَلَى إِثْر ذَلِك وَقد علا صَوته وَاشْتَدَّ غَضَبه كَأَنَّهُ مُنْذر جَيش يَقُول: صبحكم ومساكم. وَيَقُول: بعثت أَنا والساعة كهاتين. ويقرن بَين أصبعيه السبابَة وَالْوُسْطَى، وَيَقُول: أما بعد، فَإِن خير الحَدِيث كتاب الله، وَخير الْهَدْي هدي مُحَمَّد، وَشر الْأُمُور محدثاتها، وكل بِدعَة ضَلَالَة. ثمَّ يَقُول: أَنا أولَى بِكُل مُؤمن من نَفسه، وَمن ترك مَالا فلورثته وَمن ترك دَينًا أَو ضيَاعًا فإليَّ وعليَّ». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ إِذا خطب احْمَرَّتْ عَيناهُ وَعلا صَوته وَاشْتَدَّ غَضَبه...» الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَكَانَ يحمد الله ويثني عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ يَقُول: من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ». وَقد تَكَلَّمت عَلَى أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب فَليُرَاجع مِنْهُ. .الحديث التَّاسِع عشر: هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَقد أسلفناه لَك من حَدِيث جَابر كَمَا ترَاهُ. .الحديث العشْرُونَ: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد أسلفت لَك قَرِيبا من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة بِلَفْظ «يقْرَأ الْقُرْآن» وَفِي سنَن أبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح، عَن سماك، عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: «كَانَت صَلَاة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قصدا وخطبته قصدا يقْرَأ آيَات من الْقُرْآن وَيذكر النَّاس». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث يعْلى بن أُميَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه سمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ عَلَى الْمِنْبَر وَنَادَوْا يَا مَالك». .الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين: هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن أُخْت لعمرة قَالَت: «أخذت ق وَالْقُرْآن الْمجِيد من فِِيِّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم جُمُعَة وَهُوَ يقْرَأ بهَا عَلَى الْمِنْبَر كل جُمُعَة». وَفِيه أَيْضا عَن يَحْيَى بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، عَن أم هِشَام بنت حَارِثَة بن النُّعْمَان الصحابية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «مَا أخذت ق وَالْقُرْآن الْمجِيد إِلَّا عَن لِسَان رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرؤهَا كل جُمُعَة عَلَى الْمِنْبَر إِذا خطب النَّاس». وَهَذَا الحَدِيث مُنْقَطع فِيمَا بَين يَحْيَى وَأم هِشَام، قَالَه ابْن الْقطَّان، وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب: لم يسمع يَحْيَى بن عبد الله من أم هِشَام بَينهمَا عبد الرَّحْمَن بن سعد. وَالطَّرِيق الأولَى الَّتِي قدمناها مُتَّصِلَة بِلَا شكّ. فَائِدَتَانِ: الأولَى: هَذَا الحَدِيث وَقد عرفت أَنه فِي صَحِيح مُسلم وَهُوَ من أَفْرَاده، بل لم يخرج البُخَارِيّ عَن أم هِشَام شَيْئا، وَأغْرب الْحَاكِم فاستدركه وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. الثَّانِيَة: وَقع فِي مُسلم وَأبي دَاوُد هَذَا الحَدِيث من حَدِيث عمْرَة عَن أُخْتهَا، وَهُوَ وهم فَإِنَّهُ لم يكن لعمرة بنت عبد الرَّحْمَن أُخْت من أَبَوَيْهَا وَلَا من أَحدهمَا لَهَا صُحْبَة وَإِنَّمَا الصُّحْبَة لعمرة بنت حَارِثَة أُخْت أم هِشَام بنت حَارِثَة، فَلَعَلَّ الْوَهم أَتَى من قِبَلِ الِاشْتِرَاك فِي الِاسْم. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا مجودًا من حَدِيث عمْرَة، عَن أم هِشَام. وَوهم مُسلم- أَو غَيره- حَيْثُ رَوَاهُ مرّة عَن عمْرَة عَن أُخْت لعمرة بنت عبد الرَّحْمَن كَانَت أكبر مِنْهَا. وَيُمكن تَأْوِيل قَوْله: عَن أُخْت لعمرة. من حَيْثُ أَن الْعَرَب تَقول: الرجل أَخُو مُضر. إِذا كَانَ مِنْهَا عَلَى وَجه الْمجَاز، فعمرة وَأم هِشَام تجتمعان فِي جدهما الْأَعْلَى وَهُوَ عبيد بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار، وَلم يذكر مصنفو الْأَطْرَاف مُسْندًا لأخت عمْرَة وَهُوَ دَلِيل عَلَى أَنه حَدِيث أم هِشَام، نبه عَلَى ذَلِك كُله الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي. وَأما الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فَقَالَ: أم هِشَام هِيَ أُخْت عمْرَة لأمها. فَزَالَ الْإِشْكَال. .الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين: هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا ستقف عَلَيْهِ فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ مِنْهُ- إِن شَاءَ الله تَعَالَى. تَنْبِيه: ذكر الرَّافِعِيّ هُنَا أَنه ثَبت النَّقْل بِتَقْدِيم الْخطْبَتَيْنِ عَلَى الصَّلَاة بِخِلَاف صَلَاة الْعِيد تُؤخر الْخطْبَتَيْنِ عَلَى الصَّلَاة، وَهُوَ كَمَا قَالَ فَسَيَأْتِي فِي كتاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي الْعِيد قبل الْخطْبَة» وَهُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، واتفقا أَيْضا عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ كَانَ يخرج يَوْم الْأَضْحَى وَيَوْم الْفطر فَيبْدَأ بِالصَّلَاةِ، فَإِذا صَلَّى صلَاته وَسلم قَامَ فَأقبل عَلَى النَّاس...» الحَدِيث. وَفِيهِمَا أَيْضا من هَذَا الْوَجْه «أَن مَرْوَان خرج فِي يَوْم عيد فَبَدَأَ بِالْخطْبَةِ قبل الصَّلَاة فَأنْكر عَلَيْهِ...» الحَدِيث بِطُولِهِ. وَجَمِيع الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي صَلَاة الْجُمُعَة قبل الصَّلَاة مصرحة بِتَقْدِيم الْخطْبَة، فقد ذكرت بَعْضهَا هُنَا وَبَعضهَا فِي الاسْتِسْقَاء، فَتدبر ذَلِك. .الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين: أما خطبَته عَلَيْهِ السَّلَام قَائِما فثابت فِي الصَّحِيح فِي عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث جَابر بن سَمُرَة السالف فِي أثْنَاء الحَدِيث السَّادِس عشر، وَمِنْهَا حَدِيث كَعْب السالف فِي الحَدِيث الْعَاشِر، وَمِنْهَا حَدِيث جَابر بن عبد الله وهُوَ الحَدِيث الْعَاشِر، وَمِنْهَا حَدِيث ابْن عمر فِي الحَدِيث السَّادِس عشر. وَأما خطْبَة من بعده كَذَلِك فَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنِي صَالح مولَى التوءمة، عَن أبي هُرَيْرَة «عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر أَنهم كَانُوا يخطبون يَوْم الْجُمُعَة خطبتين عَلَى الْمِنْبَر قيَاما يفصلون بَينهمَا بِالْجُلُوسِ حَتَّى جلس مُعَاوِيَة فِي الْخطْبَة الأولَى فَخَطب جَالِسا، وخطب فِي الثَّانِيَة قَائِما» قَالَ الشَّافِعِي- فِيمَا بلغه- عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن الرُّؤَاسِي، عَن الْحسن بن صَالح، عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: «رَأَيْت عليًّا يخْطب يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ لم يجلس حَتَّى فرغ». قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ لم يجلس فِي حَال الْخطْبَة خلاف مَا أحدث بعض الْأُمَرَاء من الْجُلُوس فِيهَا وَرَوَى فِي سنَنه عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: «أول من أحدث الْقعُود عَلَى الْمِنْبَر مُعَاوِيَة». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يحْتَمل أَنه إِنَّمَا قعد لضعف أَو كبر أَو مرض. .الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين: أما جُلُوسه عَلَيْهِ السَّلَام بَينهمَا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أسلفناه لَك من حَدِيث ابْن عمر، وَمن حَدِيث جَابر بن سَمُرَة أَيْضا، وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث الْحجَّاج، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة قَائِما ثمَّ يقْعد ثمَّ يقوم فيخطب» وَهَذَا يسْتَأْنس بِهِ. وَأما جُلُوس من بعده فقد عَلمته أَيْضا من رِوَايَة الشَّافِعِي وَهُوَ ثَابت عَلَى رَأْيه ورأي آخَرين فِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد شَيْخه، وَرَوَاهُ أَيْضا بلاغًا عَن عَلّي كَمَا أسلفته لَك أَيْضا، وَرَوَاهُ الإِمَام الْأَثْرَم مُرْسلا فَقَالَ: نَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، نَا مجَالد، عَن الشّعبِيّ قَالَ: «كَانَ رَسُول إِذا صعد الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة اسْتقْبل النَّاس فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم. ويحمد الله ويثني، وَيقْرَأ سُورَة، ثمَّ يجلس، ثمَّ يقوم فيخطب، ثمَّ ينزل، وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر يفعلانه» وَهَذَا مَعَ إرْسَاله؛ فِيهِ مجَالد وَهُوَ لين. .الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين: هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِهَذَا اللَّفْظ قَالَ الرَّافِعِيّ: واللغو: الْإِثْم. قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذين هم عَن اللَّغْو معرضون}. .الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين: هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كتاب الْعلم من سنَنه، وَالْبَيْهَقِيّ هُنَا بِإِسْنَاد صَحِيح. .الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب «أَن الرَّهْط الَّذين بَعثهمْ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ابْن أبي الْحقيق بِخَيْبَر ليقتلوه فَقَتَلُوهُ، فقدموا عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة، فَقَالَ لَهُم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رَآهُمْ: أفلحت الْوُجُوه. فَقَالُوا: أَفْلح وَجهك يَا رَسُول الله. قَالَ: أقتلتموه؟ قَالُوا: نعم. فَدَعَا بِالسَّيْفِ الَّذِي قتل بِهِ وَهُوَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَر فسلَّه، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجل، هَذَا طَعَامه فِي ذُبَاب السَّيْف وَكَانَ الرَّهْط: عبد الله بن عتِيك، وَعبد الله بن أنيس، وأسود بن خزاعي حَلِيف لَهُم، وَأَبُو قَتَادَة- فِيمَا يظنّ الزُّهْرِيّ- وَلَا يحفظ الزُّهْرِيّ الْخَامِس». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا وَإِن كَانَ مُرْسلا فَهُوَ مُرْسل جيد، وَهَذِه قصَّة مَشْهُورَة فِيمَا بَين أَرْبَاب الْمَغَازِي. قَالَ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر عَن الزُّهْرِيّ. وَرُوِيَ عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة بن الزبير فَذكر هَذِه الْقِصَّة وَذكر مَعَهم مَسْعُود بن سِنَان. قَالَ: وَقد رُوِيَ من وَجه آخر موصلاً مُخْتَصرا فَذكره بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث ابْن عبد الله بن أنيس عَن أَبِيه قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ابْن أبي الْحقيق...» فَذكره. وَقَالَ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» فِي تَرْجَمَة أَوْس بن خولي أَنه كَانَ أحد الرَّهْط الَّذين بَعثهمْ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ابْن أبي الْحقيق فَقتله. قلت: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْخَامِس الَّذِي لم يحفظه الزُّهْرِيّ. وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث ذكره الْغَزالِيّ فِي بسيطه ووسيطه عَلَى غير وَجهه فَقَالَ: «سَأَلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أبي الْحقيق عَن كَيْفيَّة الْقَتْل بعد قفوله من الْجِهَاد» وَهُوَ سَهْو فَاحش، وَصَوَابه: «وَسَأَلَ الَّذين قتلوا ابْن أبي الْحقيق» كَمَا مَضَى، وَكَذَا قَالَه الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَالظَّاهِر أَنه سقط لفظ قبله. وَأما إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَذكره أَولا عَلَى غير الصَّوَاب، ثمَّ ذكره ثَانِيًا بعد بِوَرَقَة عَلَى الصَّوَاب، وَأوردهُ بِلَفْظ: «صَحَّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام...» فَذكره. وَابْن أبي الحُقيق- بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وقافين بَينهمَا يَاء مثناة تَحت سَاكِنة- وَهُوَ أَبُو رَافع الْيَهُودِيّ، كَانَ يُؤْذِي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلذَلِك أرسل إِلَيْهِ جمَاعَة من الصَّحَابَة فَقَتَلُوهُ. .الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين: هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «دخل رجل يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب قَالَ: صليت؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فصل رَكْعَتَيْنِ». وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «جَاءَ سليك الْغَطَفَانِي يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ يخْطب فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: يَا سليك، قُم فاركع رَكْعَتَيْنِ وَتجوز فيهمَا. ثمَّ قَالَ: إِذا جَاءَ أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب فليركع رَكْعَتَيْنِ وليتجوز فيهمَا». وَهَذِه الرِّوَايَة مفسرة للمبهم فِي الرِّوَايَة الأولَى، وسليك هُوَ ابْن عَمْرو، وَقيل: هدبة. وَقد ذكر الرَّافِعِيّ هَذِه الرِّوَايَة فِي أثْنَاء الْبَاب أَيْضا. وَفِي رِوَايَة لأبي حَاتِم بن حبَان: «اركع رَكْعَتَيْنِ وَلَا تعودن لمثل هَذَا. فركعهما ثمَّ جلس» قَالَ ابْن حبَان: أَرَادَ بقوله: «لَا تعودن لمثل هَذَا» الإبطاء فِي الْمَجِيء إِلَى الْجُمُعَة لَا الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَمر بهما، وَالدَّلِيل عَلَى صِحَة هَذَا الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنه أمره فِي الْجُمُعَة الثَّانِيَة أَن يرْكَع رَكْعَتَيْنِ مثلهمَا ثمَّ أورد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَن رجلا دخل الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْمِنْبَر، فَدَعَاهُ فَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ دخل الْجُمُعَة الثَّانِيَة وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر فَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وفعل مثل ذَلِك فِي الْجُمُعَة الثَّالِثَة وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر فَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ». وَفِي رِوَايَة للدارقطني من حَدِيث مُعْتَمر، عَن أَبِيه، عَن قَتَادَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أمسك عَن الْخطْبَة حَتَّى فرغ من صلَاته» ثمَّ قَالَ: أسْندهُ عبيد بن مُحَمَّد وَوهم فِيهِ، وَالصَّوَاب: عَن مُعْتَمر، عَن أَبِيه مُرْسلا، وَقَالَ فِي علله: إِنَّه الصَّحِيح. وَفِي مُسْند أَحْمد وصَحِيح أبي حَاتِم بن حبَان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ «أَن رجلا دخل الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة، فَدَعَاهُ فَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: تصدقوا. فتصدقوا فَأعْطَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام ثَوْبَيْنِ مِمَّا تصدقوا وَقَالَ: تصدقوا. فَألْقَى هُوَ أحد ثوبيه فكره عَلَيْهِ السَّلَام مَا صنع وَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا دخل الْمَسْجِد بهيئة بذة فرجوت أَن تفطنوا لَهُ فتصدقوا عَلَيْهِ فَلم تَفعلُوا، فَقلت: تصدقوا، فَأعْطَاهُ أحدكُم ثَوْبَيْنِ، ثمَّ قلت: تصدقوا، فَألْقَى أحد ثوبيه، خُذ ثَوْبك. وانتهره». وَقَالَ الْأَثْرَم الْحَافِظ فِي ناسخه ومنسوخه: حَدِيث أبي سعيد هَذَا صَحِيح، وَفِي رِوَايَته: «إِنَّمَا أَمرته أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى تتفطنوا لَهُ فتصدقوا عَلَيْهِ». .الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين: هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَرْوِيّ من طرق: مِنْهَا: حَدِيث سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أرسل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى امْرَأَة من الْأَنْصَار أَن مري غلامك النجار يعْمل لي أعوادًا أكلم النَّاس عَلَيْهَا. فَعمل هَذِه الثَّلَاث دَرَجَات، ثمَّ أَمر بهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضعت هَذَا الْموضع، وَلَقَد رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ عَلَيْهِ فَكبر وَكبر النَّاس وَرَاءه وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر، ثمَّ رفع فَنزل الْقَهْقَرَى حَتَّى سجد فِي أصل الْمِنْبَر، ثمَّ عَاد حَتَّى فرغ من صلَاته، ثمَّ أقبل عَلَى النَّاس فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا فعلت هَذَا لتأتموا بِي ولتعلموا صَلَاتي» رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. وَمِنْهَا حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ جذع يقوم إِلَيْهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا وضع لَهُ الْمِنْبَر سمعنَا للجذع مثل أصوات العشار حَتَّى نزل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضع يَده عَلَيْهِ» رَوَاهُ البُخَارِيّ. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد فِي مُسْنده «فَأن الْجذع الَّذِي كَانَ يقوم عَلَيْهِ كَمَا يَئِن الصَّبِي، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن هَذَا بَكَى لما فقد من الذّكر» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فاضطربت تِلْكَ السارية كحنين النَّاقة حَتَّى سَمعهَا أهل الْمَسْجِد حَتَّى نزل إِلَيْهَا فاعتنقها فسكنت». وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب إِلَى جذع، فَلَمَّا اتخذ الْمِنْبَر تحول إِلَيْهِ، فحنَّ الْجذع فَأَتَاهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فمسحه». وَفِي رِوَايَة: «الْتَزمهُ». رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا، وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «فخار الْجذع كَمَا تخور الْبَقَرَة جزعًا عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَالْتَزمهُ ومسحه حَتَّى سكن». وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب إِلَى جذع قبل أَن يتَّخذ الْمِنْبَر، فَلَمَّا اتخذ الْمِنْبَر وتحول إِلَيْهِ حنَّ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ فسكن ثمَّ قَالَ: لَو لم أحتضنه لحن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن عَفَّان، نَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عمار بن أبي عمار عَنهُ بِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من هَذَا الْوَجْه. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي بن كَعْب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي إِلَى جذع إِذْ كَانَ الْمَسْجِد عَرِيشًا، وَكَانَ يخْطب إِلَى ذَلِك الْجذع، فَقَالَ رجل من أَصْحَابه: يَا رَسُول الله، هَل لَك أَن نجْعَل شَيْئا تقوم عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة حَتَّى يراك النَّاس وتُسمعهم خطبتك؟ قَالَ: نعم. فَصنعَ لَهُ ثَلَاث دَرَجَات اللائي عَلَى الْمِنْبَر، فَلَمَّا صنع الْمِنْبَر وَوضع فِي مَوْضِعه الَّذِي وَضعه فِيهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يَأْتِي الْمِنْبَر مرَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جاوزه خار الْجذع حَتَّى تصدع وَانْشَقَّ، فَرجع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فمسحه بِيَدِهِ حَتَّى سكن، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَر وَكَانَ إِذا صَلَّى صَلَّى إِلَيْهِ، فَلَمَّا هدم الْمَسْجِد وغُيِّر، أَخذ ذَلِك الْجذع أبي بن كَعْب فَكَانَ عِنْده حَتَّى بلي وأكلته الأرضة وَعَاد رفاتًا». رَوَاهُ أَحْمد هَكَذَا فِي مُسْنده. فَائِدَة: الْمَرْأَة المبهمة فِي حَدِيث سهل بن سعد قَالَ الْخَطِيب: لَا أعلم أحدا سَمَّاهَا. وَهُوَ كَمَا قَالَ فَلم أَقف عَلَيْهِ. وَأما صانع الْمِنْبَر فَتحصل لي فِيهِ أَقْوَال نَحْو الْعشْرَة- فاستفدها فَإِنَّهَا تَسَاوِي رحْلَة-: أَحدهَا: أَنه تَمِيم الدَّارِيّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر أَنه الَّذِي اتخذ الْمِنْبَر لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثَانِيهَا: ميناء غُلَام الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، حَكَاهُ ابْن النجار فِي كِتَابه الدُّرة الثمينة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة. ثَالِثهَا: أَنه صباح مولَى الْعَبَّاس، حَكَاهُ أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَحِمَهُ اللَّهُ. رَابِعهَا: باقوم- بِالْمِيم فِي آخِره، وَقيل بِاللَّامِ- الرُّومِي مَوْلى سعيد بن الْعَاصِ، أخرجه أَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه وَأَبُو عمر فِي معرفَة الصَّحَابَة. وَقَالَ ابْن مَنْدَه: إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم. خَامِسهَا: إِبْرَاهِيم، وَبِه جزم ابْن الْأَثِير فِي أُسد الغابة فَقَالَ: إِبْرَاهِيم النجار الَّذِي صنع الْمِنْبَر لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ قَالَ فِي آخِره: أخرجه أَبُو مُوسَى. سادسها: مَيْمُون النجار، كَذَا فِي فَوَائِد قَاسم بن أصبغ. سابعها: أَن صانعه مولَى الْعَاصِ بن أُميَّة. ثامنها: أَنه قبيصَة المَخْزُومِي من أثلة كَانَت قريبَة من الْمَسْجِد، حَكَاهُ ابْن بشكوال. وَفِي كتاب ابْن زبالة قَول: أَنه غُلَام لرجل من بني مَخْزُوم، وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير قَالَ عَبَّاس بن سهل بن سعد: «فَذهب أبي فَقطع عيدَان الْمِنْبَر من الغابة فَلَا أَدْرِي عَملهَا أبي أَو استعملها». وَفِيه من حَدِيث سهل بن سعد «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لخالٍ لَهُ من الْأَنْصَار: اخْرُج إِلَى الغابة وائتني من خشبها فاعمل لي منبرًا أكلم النَّاس عَلَيْهِ. فَعمل لَهُ منبرًا لَهُ عتبتان وَجلسَ عَلَيْهِمَا». فَائِدَة: كَانَ اتِّخَاذه سنة ثَمَان كَمَا قَالَه ابْن النجار. وَذكر الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَن منبره عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ عَلَى يَمِين الْقبْلَة وَلَا شكّ فِي ذَلِك وَلَا مرية.
|